Translate

السبت، 2 مارس 2013

معركة الإعلام بين العرب وأمريكا



معركة الإعلام بين العرب وأمريكا

حين تقرر الإدارة الأمريكية تعيين مسؤول للإعلام الخارجي والعلاقات العامة، تكون مهمته الأساسية إعادة تقويم الصورة عدة زوايا سياسية وإعلامية على السواء. فقرار إنشاء محطة فضائية أمريكية باللغة العربية، وكذلك خطوة كولن باول وزير الخارجية السابق بتعيين شارلز بيرز مساعدة للوزير لشؤون العلاقات العامة في غمار الحرب الأفغانية، يستهدفان بالأساس ما يمكن تسميته بتجميل صورة أمريكا في الخارج ولاسيما لدى المجتمعات العربية والإسلامية، وذلك كجزء من الإجابة على التساؤل الذي فرض نفسه على الساحة السياسية والفكرية والإعلامية الأمريكية بخصوص أسباب كراهية أمريكا في الخارج.
والواقع أن مجرد وجود شكوى من المسؤولين الأمريكيين أو شعور بالقلق وعدم الرضاء عن صورة أمريكا في الخارج، خاصة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية لا يثير الكثير من الغرابة، فمنذ فترة طويلة والرأي العام العربي والإسلامي يعبر عن امتعاضه وغضبه الشديد إزاء الكثير من المواقف الأمريكية، تجاه قضايانا العربية والإسلامية، وأبرزها بالطبع القضية الفلسطينية. ولكن حين يعترف الرسميون الأمريكيون بأن أداءهم الإعلامي تجاه العالمين العربي والإسلامي يتسم بالضعف وعدم الفعالية، وأنهم بصدد القيام بحملة إعلامية مخطط لها جيداً تتوجه أساساً للمسلمين في المنطقة لغرض استقطاب الرأي العام فيها لصالح السياسة الأمريكية وحملتها العسكرية في أفغانستان، حين يقولون ويفعلون ذلك فالأمر لابد وأن يثير الكثير من التساؤلات والمفارقات الكبرى هنا. فالولايات المتحدة قوة عظمى بكل المقاييس المادية، وليس هناك من مقابل لها في ظل الوضع الدولي الراهن، فكيف تفشل في تحقيق هيمنة إعلامية على أقوام معروف عنهم الضعف في الإمكانيات الاتصالية مقارنة بما هو قائم لديها؟. والإجابة لدي بسيطة فقوة أمريكا المادية تتيح لها فرض آرائها وسياستها، ولكنها قطعاً لا تستطيع فرض حب الناس لها، أو أقناعهم بآرائها وأفكارها السياسية؟
هذه المفارقة تعود في شق منها إلى تصور شائع قوامه أن وسائل الإعلام الأمريكية هي الأكثر تأثيراً عالمياً مقارنة بوسائل الإعلام الأخرى ذات الجنسيات الأوروبية أو غير الأوروبية، فكيف تفشل هذه الوسائل بكل ما لديها من إمكانيات اتصالية وشهرة ونفوذ معنوي في الفشل في مخاطبة غير الأمريكيين والتأثير على توجهاتهم؟.
ومثل هذه المفارقة بين امتلاك أكثر وسائل الإعلام الدولي نفوذاً وإمكانيات وبين فشلها في التأثير على توجهات الرأي العام العربي والإسلامي وبما يتناسب مع المصالح الأمريكية مردود عليه بأن وسائل الإعلام الأمريكية ليست مملوكة للدولة الأمريكية ولا تقوم الإدارة هناك بتوجيهها أو وضع سياستها أو مضمون الرسالة الإعلامية التي يجب الالتزام بها كما يحدث في كثير من البلدان، بل إن هذه الوسائل الإعلامية الأمريكية، ونظراً لأنها مملوكة لقطاع خاص، فهي تعبر عن وجهات نظر أصحابها وانحيازاتهم الفكرية والسياسية قبل أن تعبر عن سياسات الإدارة وتقوم بالدفاع عنها في الداخل أو في الخارج. ومن ثم فإن مسؤولية الإدارة تحتم عليها القيام بعمل إعلامي كبير يعتبر عن موقفها ويجذب لها المؤيدين، لا سيما حين تخوض حرباً ضروساً كتلك التي تجري وقائعها في أفغانستان، ولا يعرف لها بعد نهاية قريبة.
وعلى الرغم من أن هذه الحجة صحيحة إجمالاً من الناحية الشكلية، لكنها لا تعبر عن الحقيقة بتفاصيلها المعروفة وغير المعروفة. فكون وسائل الإعلامية الأمريكية مملوكة لقطاع خاص لا يعني أنها تخرج عن الإطار الجامع الذي يحكم المصالح الأمريكية الكبرى التي تبلورها مؤسسات صنع القرار السياسية أو العسكرية في صورة سياسات تجاه هذا الطرف أو ذاك. وحتى في حال انتقال تلك الوسائل الإعلامية موقفاً حكومياً أو سياسة حكومية معينة في الداخل والخارج، فلا يخرج ذلك عن هدف تعظيم المكاسب الأمريكية كما يتصورها أصحاب القرار في تلك المؤسسة الإعلامية، وليس أبدا الدفاع عن مصالح الآخرين من غير الأمريكيين. كما أن هذه الوسائل الإعلامية تضع لنفسها هدفاً مشتركاً يمكن وصفه بالدفاع عن نمط الحياة الأمريكي والترويج له، وجذب الغير إليه تأييد وممارسة، عبر تصويره بأنه الأفضل للمجتمعات والأفراد على السواء.
وتكاد تتفق الدراسات الإعلامية التي انصبت على دراسة الإعلام الأمريكي باقترابات تقنية ومضمونية مختلفة، على أن السمة الأكبر للأداء الإعلامي الأمريكي هي تركيز الاهتمام على الشخصية الأمريكية وإسقاطها على الآخرين تكون المرجعية في التحليل قائمة على مدى قرب الآخر أو ابتعاده عن نمط الحياة الأمريكية، وبالتالي الحكم عليه دائماً بأنه مختلف وأقل قيمة، أحياناً لا يستحق الحياة الكريمة، الأمر الذي يجعل عمليات التنميط السلبية للشخصية الجماعية لغير الأمريكيين خاصة من منطقتنا العربية والإسلامية هو الأسلوب الشائع.
ومن المثير للحنق والغضب أن بعض الأصوات والشخصيات ذات الأصول العربية والإسلامية، والتي أتيحت لها فرصة الحياة في الغرب إجمالاً، وتجنست بجنسيته، والتي تجد المساحات الكبرى في الوسائل الإعلامية الأمريكية المرئية والمسموعة تلعب دوراً سلبياً للغاية في تأكيد ما تعتبره تشوه أنماط الحياة العربية والإسلامية، وليس القيام بعملية شرح وتحليل موضوعية لما يجري في منطقتنا انطلاقاً من قيمنا ونمط حياتنا وتعاليم ديننا. ونظراً لأن هؤلاء أبناء تلك المنطقة- وللأسف الشديد- تصبح كلماتهم التي تدين أبناء جلدتهم وكأنها حجة دامغة على علو الشخصية الأمريكية على ما عداها. بل يذهب البعض منهم إلى قدر هائل من الشطط الفكري والقيمي حين يتصورون أن إعادة إنتاج المقولات التي ترضي وسائل الإعلام الأمريكي، فيه خدمة للسياسة الأمريكية المتوجهة إلى بلداننا. وفي الأزمة الراهنة، أتيح المجال أمام أناس يحملون صفات أكاديمية ولهم أصول عربية واضحة لمخاطبة الأمريكيين من منطلق إدانة المواقف العربية واتهام بعض أبرز الدول العربية بالتقاعس عن محاربة الإرهاب والازدواجية في المواقف وعدم تقدير المساعدات الأمريكية التي وجهت لتنمية تلك البلدان العربية، وأنهم بذلك لا يعرفون كيف يسير العالم ولا يعرفون أين مصالحهم الحقيقية. وزاد البعض توجيه اتهامات لكتاب ومسؤولين عرب، كانت جنايتهم الكبرى توضيح مواقف مجتمعاتهم إزاء ما يجري في أفغانستان من منطلق مختلف عن المنطلقات الغربية والأمريكية، وفيه تقدير للرأي العام العربي والإسلامي. ووصلت بجاحة بعض هؤلاء إلى استخدام تعبيرات قاسية بحق الكتاب العرب من قبيل المأجورين والمتنطعين وقليل الفهم ومحللي المقاهي والمزايدين على التخلف، وغير ذلك من تعبيرات أقل ما توصف أنها قبيحة وتعبر عن انحطاط أصحابها.
وحين يقال ذلك من أناس ذوي أصول عربية وإسلامية للرأي العام الأمريكي والغربي، وتعيد بثه القنوات الأمريكية مرات ومرات، تصبح النتيجة المؤكدة تشكيل رأي عام أمريكي غير قادر على استيعاب حقائق ما يجري في بلادنا، ويصل البعض منهم إلى استنتاجات تصب في خانة ما تروج له الدعاية الصهيونية وتدعمه دعماً لا تستحقه. وما دام الرأي العام على نحو مثل هذا، فالأثر التالي سيكون منصباً تلقائياً على صانعي القرار، وأكثرهم مستعد لخدمة المصالح الصهيونية دون تردد.
ليس الأمر مجرد القيام بحملة إعلامية دعائية تحت سمع وبصر الإدارة وأجهزتها المختلفة، ولكنه أكبر من ذلك، إذ يحتاج، وتلك نصيحة لوجه الله والإنسانية معاً، إلى مراجعة سياسية شاملة، تؤطر حدود المسؤولية للذات وللآخرين، وتأخذ في اعتبارها التنوع الإنساني الرحب. وللإنصاف فإن تلك المراجعة الأمريكية لن تكون ممكنة إذا لم يقم العرب والمسلمون أنفسهم بالدور الواجب عليهم في شرح أنفسهم وحضارتهم ودينهم العظيم على أفضل ما يكون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق